تعتبر حياكة الصوف احدي اقدم الحرف التقليدية فِي شَبه الجزيرة العربية
تلك الحرفة الَّتِي تعطي صورة صادقة عَن جهودَ الانسان فِي التكيف مَع بيئته الصحراوية وحسن استغلال مواردها الطبيعية وتطويعها لصالحه
وباعتباره فنا نسويا عبرت المرآة فِي البادية مِن خِلال فن السدو عَن تقاليدَ فنية عريقة ومواهب يدوية فائقة؛ فقدَ جري العرف ان تبدا الفتآة البدوية مزاولة الحرفة منذُ نعومة اظفارها؛ فتعمل فِي مساعدة امها فِي الغزل والصباغة وحياكة اجزاءَ بيت الشعر الفلجان)
وعِندَ بلوغها السادسة عشرة
غالبا ما تَكون قَدَ تعلمت حياكة اغلب النقوش
باستثناءَ النقوشَ الصعبة مِثل نقشة الشجرة الَّتِي تتطلب جهدا وممارسة فائقة
ويطلق علي المرآة الماهرة فِي الحياكة الظفرة)؛ أي الفائزة
وتحظي بتقدير واعجاب مِن جماعتها
وعادة ما كَانت النساءَ يقمن بغزل الصوف الَّذِي يقُوم الرجال بجزه اواخر فصل الربيع
وعِندَ استقرار القبيلة عادة فِي فصل الصيف تبدا النساءَ السدو والحياكة مستخدمات فِي ذلِك نولا افقيا بسيطا يسَهل تركيبه ونقله
السدو.
لغويا ومثلما يطلق اهل البادية كلمة السدو علي عملية حياكة الصوف فانهم يطلقونها علي النول نفْسه
و(السدو فِي لسان العرب لابن منظور 681 ه 1282م تعني مدَ نحو الشيء
كَما تسدو الابل فِي سيرها بايديها
وكَما يسدو الاطفال إذا لعبوا بالجوز فرموا به
والسدو يَعني أيضا ركوب الراس فِي السير كَما يَكون فِي الابل والخيل
ويقال: سدا سدو كذا؛ أي نحا نحوه
ويقول ابن بري فِي الكتاب نفْسه ان السدو يَعني السير اللين)
وقبله ذكر الجوهري فِي كتاب الصحاح: سدت الناقة تسدو)
وهو تذرعها فِي المشي واتساع خطوها
والسدو المعروف خلاف لحمة الثوب
وقيل اسفله
وقيل ما مدَ مِنه
والسدو بمعناها اللغوي الواسع فِي عرف البدو مِن خيوط الصوف بشَكل افقي
وحياكتها بصور واشكال ومعان مستوحآة مِن البيئة الصحراوية وتراث البادية
فنون اخري
واذا كَان نظم الشعر هُو أهم ظاهرة ثقافية عرفت عَن اهل البادية
فان ما نراه مِن منسوجات فنية بدوية دَليل علي وجودَ فنون يومية تقليدية ووسائط فنية عبرت مِن خِلالها المرآة البدوية عَن حسها الفني وطاقاتها الابداعية
ويؤكدَ العلامة ابن خلدون علي استفادة اهل البادية مِن الصوف فِي الحياكة منذُ القدم
ووصفهم بانهم يتخذون البيوت مِن الشعر والوبر)
ورغم ان اصل الحياكة يعودَ الي الاف السنين
الا أنه يصعب العثور علي قطع مِن المنسوجات البدوية الَّتِي يرجع عمرها الي ما قَبل القرن التاسع عشر)؛ كون البدو لا يحفظون منسوجاتهم
ويتخلصون مِنها بَعدَ الإستعمال كاحتياجات متجددة
وتتميز البداوة بعادات وتقاليدَ املتها طبيعة بيئتهم الصحراء)
وهي نمط معيشي يعكْس كفاح الانسان للتاقلم مَع البيئة القاسية والانتفاع بما تجودَ به؛ فمسكن البدوي بيت شَعر مصنوع مِن شَعر الماعز وصوف اغنامه
وغذاؤه مِن حليب ولحوم قطيعه
وتمثل الخيمة أو بيت الشعر الملجا الواقي الَّذِي يرتاح فيه مِن عناءَ حياته القاسية
ويمتع نظره بالمنسوجات الزاهية بالوأنها ونقوشها الجميلة
ووفقا لدراسة رونا كرايتن حَول الاساليب الفنية للحياكة البدوية السدو)
ترجمة دَ
عزة كرارة
فان مكانة صاحب البيت تتحددَ وفقا لحجم بيت الشعر وما يحويه مِن منسوجات
ولكون حيآة التنقل تتطلب البساطة والخفة فِي الحركة؛ دَار ترك بَعض منسوجاتهم وحاجاتهم الثقيلة
الوان صارخة
وكردَ فعل علي صرامة البيئة الصحراوية تستعمل المرآة البدوية الالوان الصارخة كالاحمر والبرتقالي فِي منسوجاتها
وهي بذلِك تعكْس حسا فنيا وذوقا جماليا فطريا
وقبل شَيوع الاصباغ الكيماوية كَانت نساءَ البادية يستعن ببعض النباتات الصحراوية فِي تلوين الاصواف مِثل العرجون
وهو نبات بري حولي يعطي لونا برتقاليا مائلا الي الاصفر
وكن يستعملن لتثبيت اللون الشب والفوه واللومي
وتضيف المرآة فِي البادية الكثير مِن اللمسات الجمالية الي منسوجاتها مِثل المزاودَ والخروج والقواطع
وتزينها بالدرز والكراكيشَ والجدائل الملونة أو بالودع والجلود
وعرف عَن البدو اهتمامهم بتزيين جيادهم وبعيرهم واضافة الكثير مِن العناصر الجمالية الي ادواتهم النفعية
تنفيذا لقول رسول البرية صلي الله عَليه وسلم ان الله جميل يحب الجمال)
وما وردَ فِي قوله تعالي بسورة النحل: والانعام خلقها لكُم فيها دَفء ومنافع ومِنها تاكلون
ولكُم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون)
وترتكز أهم النقوشَ المستعملة علي اشكال هندسية تعتمدَ علي مبدا التناسب والانتظام؛ تاثرا بالتناسق العام للجسدَ الانساني
وبالتكرار المنتظم فِي الطبيعة مِثل تعاقب الليل والنهار وتوالي الفصول
وفي امتدادَ افق السهول والرمال
ويتجلي ذلِك فِي الحياكة اليدوية فِي الخطوط الافقية المتوازية المميزة لنقوشَ السدو الحاوية لاشكال هندسية مبسطة
تظهر غالبا فِي صورة مِثلثات أو نقاط أو هرميات صغيرة متكررة
وياخذ شََكل نقوشَ فِي الحياكة اليدوية باسم خاص
وله معان ورموز تقليدية؛ فالمثلث مِثلا مِن الاشكال المالوفة فِي نقوشَ السدو
وقدَ استخدم فِي تشكيل كثِير مِن النقوشَ مِثل العويرجان و(الشنف و(الرقم)
نقشة الشجرة
واذا كَان السدو فنا تقليديا قَبليا يعكْس تنوع وثراءَ اللون والتصميم والاسلوب
فان نقشة الشجرة تعدَ مِن اجمل نقوشَ منسوجات السدو واشدها تعقيدا
وهي عبارة عَن مساحة بيضاءَ سداها مِن خيوط القطن
تبرز فيها نقوشَ دَقيقة سوداءَ غالبا تاخذ اشكالا رمزية تختلف عَن بقية النقوشَ البدوية بتلقائيتها وتنوعها؛ اذ مِن خِلال هَذه النقشة تستطيع البدوية الناسجة التعبير عَن مهاراتها الذاتية وذوقها الغني الخاص لما يحيط حولها مِن طبيعة
سواءَ اكَانت ساق نبتة ام حبة رمل ام حيوانا
بيت الشعر مِن الداخِل مقسما تقسيما خاصا فِي إستعماله عِندَ البدو حسب العادات والتقاليدَ ويَكون غطاءَ بيت الشعر مِن السدو الَّذِي لا يخلو مِن وجودَ فَتحات صغيرة تسمح بمرور الهواءَ فِي فصل الصيف اما فِي مواسم الامطار فتتضخم خيوط الشعر وتضيق حلقاتها بفعل المياه
وبذلِك لا تتسرب المياه الي دَاخِل بيت الشعر كَما أنه عِندَ اشعال النار بداخِل بيت الشعر فإن الدخان يصعدَ الي الخارِج عَن طريق الفتحات الموجودة فِي سقفه
المكونات الاساسية لانتاج بيت الشعر هُو الصوف وشعر الحيوانات
وتستعين المرآة البدوية بالادوات التالية:
(المطرق):
وهو عصا دَقيقة يتِم استخدامها فِي عملية تنظيف الشعر وتنقيته
ويستمدَ البدو المطرق مِن غصون الاشجار مِثل العوسج وكَما يسمونها السدرة
الكرداش):
وهو قطعتان خشبيتان لكُل واحدة مِنهما مقبض لليدَ وفي سطح كُل واحدة مِنهما عدَدَ مِن الاسنان ويوضع الشعر لتنظيفة مِن الشوائب
التغزالة
وهي قطعة خشبية يستمدها البدو مِن قطع الاشجار المختلفة فيشق أحدَ طرفيها شَقين
ووظيفتها مساعدة المرآة البدوية فِي تسهيل عملية الغزل
(المغزل):
وهو قطعة مِن اعوادَ الشجر الاملس ويَكون فِي راس المغزل قطعة حديدية تسمي السنارة ووظيفة المغزل الاساسية هِي برم الشعر وغزله
((وناس يقولون المغزل مِن قرن الغزال))
الدجة):
وهي مجموعة خيوط الشعر المغزولة والمبرومة بواسطة المغزل وتشبه الدجة الكرة المدورة لكِنها اكبر مِنها حجْما
وبدون هَذه الدجج لا تستطيع المرآة البدوية ان تعمل أي نوع مِن الاسدية
((وناس يسمونها الحصوه)),,
اما الموادَ اللازمة لخياطة بيت الشعر وتحضيره هي:
المخيط):
ادآة حديدية تشبه الابرة لكِنها اكبر حجْما مِنها يبلغ طولها ثمان سم تقريبا
الخلال والمريرة
الخلال قطعة مِن الحديدَ يَكون أحدَ طرفيها مدورا وتشبه المخيط لكِنها اكبر حجْما
الاطناب
وهي حبال مصنوعة مِن صوف الضان أو الماعز أو الابل وتستخدم لشدَ بيت الشعر وتثبيته.
(المنساب والفهر
المناسيب يقصدَ بها البدوي الاوتادَ وهي قطعة حديدية ووظيفة المناسيب هِي تثبيت الاطناب فِي الارض
المحالة
وهي تشبه العجلة لكِنها صغيرة الحجم وتصنع مِن الحديدَ أو الخشب ووظيفتها تسهيل عملية سحب الطنب الَّذِي يحتاج الي المزيدَ مِن القوة عِندَ تثبيته بواسطة المنساب فِي الارض
الاعمدة
وهي مصنوعة مِن خشب الاثل أو الطلح وطولها مِن المترين الي مترين ونصف ووظيفتها رفع بيت الشعر
..